مقال : نعيب زماننا والعيب فينا

كنت ولا زلت أعتبر التقنية من النعم التي أنعم الله بها على الإنسان إن أحسن استخدامها ، وستكون جسرا يعبر منه الناس إلى عمارة حياتهم برضوان الله عز وجل في مجالات الحياة المختلفة.
إن طريقة استخدامنا لهذه النعم وغيرها هو الذي يحدد مدى صلاحيتها من عدمه وهي وسيلة من

وسائل تحقيق الهدف من الوجود كما قال تعالى : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).
ولو شاء الله تعالى لطمس على تلك العقول وجعلها تتوقف عن الاختراع والابتكار ، ولكن سنة الله ماضية ليبلونا أينا أحسن عملا كما قال عز وجل : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).
نحن إذًا من نملك قرار الاستخدام السيئ أو الاستخدام الصحيح ، وأيضا نحن من نملك القرار والإرادة ليس فقط في الممارسة الصحيحة لهذه الأدوات وابتعادنا عن الدخول في الحرام والمشتبهات ، بل نستطيع أن نخطو خطوة ايجابية للإمام بتوظيف هذه التقنيات في خدمة مصالحنا الدنيوية والأخروية بما يرضي الله عز وجل .
كنت منذ زمن قد تحدثت في إحدى محاضراتي عن

التقنية وأهميتها وكان ذلك في زمن الهلع والتخويف منها ولأن التوقيت لم يكن مناسبا قوبل رأيي في تلك الفترة بشيء من السخرية والاتهام ، ومن الطريف موقف حدث معي قبل وجود الجوال وهو أنني كنت حاضرة كمستفيدة في إحدى الندوات وأحمل معي لابتوبا لتسجيل النقاط المهمة وقضاء بعض الأعمال وكانت بعض الأخوات الحاضرات في المقعد الخلفي يتهامسن حولي وتجاهلت همسهن وكن يتهكمن ويصفونني بالإنسانة المبتلاة وآخزياه .. وكأن ما أقوم به من خوارم المروءة ! والحقيقة أنهن تصرفن هذا التصرف لأن عقولهن مبرمجة على الاستخدام السيئ وثقافتهن أن هذه التقنيات شر محض.
إن هذه المخترعات اختبار واقعي لما في دواخلنا من قيم راسخة أو مهزوزة ..وعلينا أن نكون متوازنين لا افراط ولا تفريط وإلا نضخم الخوف منها كما علينا ألا نركن اليها تماما ..والأمر سيكون خيرا في النهاية بإذن الله ان كنا صادقين ، ونستطيع من خلال هذه الاختبارات اكتشاف القيم في النفوس ومدى ثباتها او هشاشتها ،،ولو اكتشفنا هشاشتها لا قدر الله سيكون المجال خصبا امام اهل الاختصاص لوضع حلول عملية وعلاجية لما تم اكتشافه ، أن الحل ليس بمنع التقنية من الحضور في حياتنا ، بل بتقوية الايمان ومراقبة الله عز وجل والارتقاء بالأفكار والابتعاد عن سفاسف الامور ، اننا في اختبار واقعي وعملي للتقوى ومراقبة الله عز وجل من خلال طريقة استخدامنا لهذه المخترعات وغيرها.
إنه من خلال هذه التقنيات وقنوات التواصل الاجتماعي خاصة ، ظهرت القيم الشخصية لمن يستخدم هذه الوسائل فلو نظرنا على سبيل المثال لتطبيق ( الإنستقرام ) لوجدناه على النحو التالي من وجهة نظري :
حسابات عادية : اراد اصحابها منها التواصل العائلي و الأسري او الاستفادة من الخدمات المتوفرة في حسابات اخرى مفيدة ، او بغرض البيع والشراء ، أو الترفيه المباح ..الخ
وحسابات مفيدة : تحتوي على معلومات علمية واجتماعية وثقافية وتواصل مع الشخصيات الاجتماعية الهامة والهادفة .
وحسابات محرمة : تعرض ما حرم الله تعالى ونسأل الله لهم الهداية
وحسابات سطحية هشة لا فائدة منها : حدثتني احدى القريبات متعجبة من سطحية البعض وقالت : إن تجمعا حصل في احدى المولات الشهيرة في مدينتهم حول شخص ما ظنته احدى المسؤولين او شخصا ذا صفة اعتبارية ولكنها عرفت فيما بعد انه شخصية إنستقرامية !! سالتها : ما هي انجازات هذا الشخص الانستقرامي ؟ قالت لاشيء سوى انه يصور نفسه ويضع صوره في حسابه في الانستقرام !!!!!؟؟
حقيقة انه شيء محزن حقا أن نصل لهذا المستوى من السطحية واختلال المعايير، وأنا لا الوم هذا النجم الإنستقرامي فقط - وللأسف يوجد كثير من هذه النوعية هداهم الله جميعا - بل ألوم ايضا المتابعين له على سذاجتهم وسطحية اختيارهم !
أعزائي : ان الله تعالى قد سخر لنا العلم وفتح العقول لاختراع هذه التقنيات وغيرها فلا نكون سببا في وبالها علينا وتحريمها والحرمان من فائدتها بسبب سوء استخدامها ،و لنكن اكثر وعيا ورقيا في الاستفادة منها في حياتنا وتوظيفها بصورة ايجابية مفيدة ، انه لا عيب فيها فهي جمادات لا تضر ولا تنفع بذاتها ، يقول الشاعر ( نعيب زماننا والعيب فينا ،، ومالزماننا عيب سوانا ) بل العيب الموجود في المستخدم السيئ لهاو في المعايير المهزوزة وتبني مشاريع سطحية فاشلة من خلال الانستقرام او غيره فلا فائدة مرجوة من وراء هذه المشاريع بل تجر خلفها المشاكل على صاحبها وعلى المتابعين لها في الدنيا والآخرة ، و لاشك ان من يشجع هذا الاستخدام الهابط بالمتابعة لأصحابها في الانستقرام او تويتر او الفيسبوك او غيرهم ، فهو معهم سواء في دائرة السقوط والتخلف .
نسأل الله تعالى ان يعافي كل مبتلى وان تكون هذه التقنيات حجة لنا لا علينا واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة